الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
الإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان الستة، والرسل ينقسمون إلى قسمين رسل من البشر، ورسل من الملائكة قال الله تعالى: الرسول البشري تعريفه عند جمهور أهل العلم: "أنه من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه" وأول الرسل نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ وآخرهم محمد، صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: فإن قلت: هل آدم رسولٌ أم لا؟ فالجواب: أنه ليس برسول لكنه نبي، كما جاء في الحديث الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه أن النبي، صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم: أنبي هو؟ قال: "نعم نبي مكلم". ولكنه ليس برسول والدليل قله تعالى: كيف نؤمن بالرسل؟ الإيمان بالرسل أن نؤمن بأسماء من علمنا اسمه منهم، وأن نؤمن بكل خبر أخبروا به، وأن نؤمن بأنهم صادقون فيما قالوه من الرسالة، أما من لم نعرف اسمه منهم فنؤمن به إجمالًا، فإننا لم نعرف أسماء جميع الرسل لقوله تعالى: وأحكام الرسل السابقة من ناحية إلزامنا بها، أو لا، فالقول فيها كالقول في أحكام الكتب. فإن قال قائل: كيف نجمع بين كون محمد، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين وبين ما صح به الحديث من نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان؟ فالجواب: أن عيسى ـ عليه السلام لا ينزل على أنه رسول، لأن رسالته التي بعث بها كانت سابقة قبل رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم، ولأنه إذا نزل فلا يأتي بشرع من عنده، ولكنه يجدد شرع النبي، صلى الله عليه وسلم، وبهذا يزول الإشكال بين كون محمد، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين وبين نزول عيسى بن مريم آخر الزمان.
الإيمان باليوم الآخر: وسمي يومًا آخرًا لأنه لا يوم بعده، فإن للإنسان أحوالًا أولها العدم لقوله تعالى: وبيان ذلك أن الإنسان في بطن أمه لاشك أنه ناقص عن حاله في الدنيا قال تعالى: وهي بلا شك حينئذ تكون حياة ناقصة، لأنه ما من لذة فيها إلا وهي منغصة كما قال الشاعر: فأنت الآن شاب وقوي لكن سيأتيك أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم، فحياة الدنيا منغصة ولهذا سميت الدنيا وهي من الدناءة، ومن الدنو أيضًا، فهي دنيئة بالنسبة للآخرة، وهي أيضًا دنية لنقصانها عن مرتبة الآخرة، وهي دنيا لأنها سابقة للآخرة فهي أدنى منها. وحاله في البرزخ أكمل حالًا منه في الدنيا، لأن حاله مستقرة، فإذا كان من أهل الخير فهو منعم في قبره، يفتح له في قبره مد البصر، ويفرش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، ولا ينال هذا في الدنيا، أما في الآخرة فيعطى الكمال المطلق بالنسبة للإنسان حياة كاملة لايمكن أن تنسب إليها حياة الدنيا بأي وجه من الوجوه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى بعد ذلك. كيف نؤمن باليوم الآخر؟ الإيمان باليوم الآخر أن نؤمن بأن الناس سوف يبعثون ويجازون على أعمالهم، وأن نؤمن بكل ماجاء في الكتاب والسنة من أوصاف ذلك اليوم وقد وصف الله تعالى ذلك اليوم بأوصاف عظيمة ولنأخذ منها وصفًا واحدًا قال تعالى: ولا يقتصر الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بهذا اليوم الذي يكون بعد البعث، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدته الواسطية: (من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ماأخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم، مما يكون بعد الموت). وأول شيء يكون بعد الموت فتنة القبر فإن الناس يفتنون ـ أي يختبرون ـ في قبورهم فما من إنسان يموت سواء دفن في الأرض، أو رمي في البر، أو أكلته السباع، أو ذرته الرياح، إلا ويفتن هذه الفتنة فيسأل عن ثلاثة أمور: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟. فأما المؤمن فيقول : ربي الله ـ جعلنا الله منهم ـ وديني الإسلام، ونبيي محمد، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، وحينئذ يفسح له في قبره مد البصر، ويفرش له فراش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، وهذه الحال بلا شك أكمل من حال الدنيا. أما إذا كان كافرًا أو منافقًا فإنه إذا سئل من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. وتأمل ماذا تدل عليه كلمة "هاه هاه"؟ فإنها تدل على أن هذا المجيب كأنه يتذكر شيئًا يبحث عنه ولكن يعجز عن استحضاره، وكون الإنسان يتذكر شيئًا ويعجز عن استحضاره أشد ألمًا من كونه لايدري عنه بالكلية، فلو سئلت عن شيء وأنت لاتعلم عنه فقلت : لا أدري. فهذا نقص بلا شك لكن لا يوجب حسرة، لكن لو أنت سئلت عن شيء وكنت تعلمه ثم عجزت عنه فإن ذلك حسرة، ولهذا يقول : "هاه هاه" كأنه يتذكر شيئًا "لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته"، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين ـ (الإنس والجن) ـ ولو سمعها لصعق، وقد ورد في صفة هذه المرزبة أنه لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها ـ والعياذ بالله ـ. هذه الفتنة يجب الإيمان بها، لأن الإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر فإن قلت: كيف يكون الإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر وهي في الدنيا؟ فالجواب: أن الإنسان إذا مات فقد قامت قيامته. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيم القبر ودليل ذلك قوله تعالى: وقال تعالى أيضًا: وأما السنة فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخبر في أحاديث كثيرة بما يدل على أن الإنسان ينعم في قبره، وقد أشرنا إلى شيء منها. وأما عذاب القبر فثابت أيضًا في الكتاب والسنة، فمن القرآن قال الله ـ تبارك وتعالى ـ في آل فرعون: ووجه الدلالة من قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ} [الأنعام: 93] لأن (أل) هنا للعهد الحضوري لقوله تعالى: وقال تعالى: وكلنا نقول في الصلاة: هل العذاب في القبر على البدن أو على الروح؟ العذاب في القبر على الروح في الأصل وربما يتصل بالبدن، ومع ذلك فإن كونه على الروح لا يعني أن البدن لا يناله منه شيء بل لابد أن يناله من هذا العذاب أو النعيم شيء وإن كان غير مباشر. واعلم أن العذاب والنعيم في القبر على عكس العذاب أو النعيم في الدنيا، فإن العذاب أو النعيم في الدنيا على البدن، وتتأثر به الروح، وفي البرزخ يكون النعيم أو العذاب على الروح، ويتأثر به البدن. فلو قال لنا قائل: كيف تقولون: إن القبر يضيق على الإنسان الكافر حتى تختلف أضلاعه، ونحن لو كشفنا القبر لوجدنا أن القبر لم يتغير، وأن الجسد لم يتغير أيضًا؟ فالجواب على هذا أن نقول: إن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمرًا محسوسًا على البدن، فلو كان أمرًا محسوسًا على البدن، لم يكن من الإيمان بالغيب، ولم يكن منه فائدة، لكنه من الأمور الغيبية المتعلقة بالأرواح، والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم، وذاهب وراجع، وضارب ومضروب، وربما يرى وهو على فراشه نائم أنه قد سافر إلى العمرة، وطاف وسعى، وحلق أو قصر، ورجع إلى بلده، وجسمه على الفراش لم يتغير. فأحوال الروح ليست كأحوال البدن. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر البعث فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يبعث الأجساد يوم القيامة حفاة عراة غرلًا. حفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف: أي ليس عليهم لباس رجل، عراة: ليس عليهم لباس بدن، غرلًا: أي غير مختونين. وفي بعض الأحاديث: (بهمًا) أي ليس معهم مال، بل كل واحد وعمله. والبعث هنا إعادة وليس تجديدًا، كما قال تعالى: فيقال: إن الله على كل شيء قدير يقول للشيء : كن فيكون، فيأمر الله هذه الأجساد التي تفرقت وأكلت وطارت بها الرياح أن تعود فتعود، وهذا ينبني على القاعدة التي سبق أن قررناها وهي: "أن الواجب على الإنسان في الأمور الخبرية الغيبية هو التسليم". وقد أوردت عائشة ـ رضي الله عنها ـ إشكالًا على قول النبي، صلى الله عليه وسلم: ومن الإيمان باليوم الآخر أن نؤمن بأن الشمس تدنو من الخلائق بمقدار ميل، والميل يحتمل أن يكون ميل المكحلة، ويحتمل أنه المسافة من الأرض، وسواء كان ميل المكحلة أو ميل المسافة فإن الشمس تكون قريبة من الرؤوس. فإن قلت: كيف يمكن هذا ونحن الآن حسب ما نعلم أن هذه الشمس لو دنت عما كانت عليه الآن بمقدار شبر واحد لأحرقت الأرض، فكيف يمكن أن تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل؟ فالجواب: أن وظيفة المؤمن ـ وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا ـ فيما ورد من أخبار الغيب القبول والتسليم وألا يسأل عن كيف؟ ولم؟ لأن هذا أمر فوق ما تتصوره أنت فالواجب عليك أن تقبل وتسلم وتقول: آمنا وصدقنا بأن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل. وما زاد على ذلك من الإيرادات فهو من البدع، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن استواء الله كيف استوى؟ قال : السؤال عنه بدعة، هكذا أيضًا كل أمور الغيب السؤال عنها بدعة وموقف الإنسان منها القبول والتسليم. أما الجواب الثاني بالنسبة لدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة فإننا نقول: إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي هي عليها في الدنيا من النقص وعدم التحمل بل هي تبعث بعثًا كاملًا تامًا، ولهذا يقف الناس يوم القيامة يومًا مقداره خمسون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، وهذا أمر لا يحتمل في الدنيا فتدنو الشمس منهم وأجسامهم قد أعطيت من القوة ما يتحمل دنوها ـ ويشهد لهذا ما ذكرناه من الوقوف خمسين ألف سنة لا يحتاجون إلى طعام ولا شراب، وأن أهل الجنة ينظر الواحد منهم إلى ملكه مسيرة ألف عام ينظر أقصاه كما ينظر أدناه ولا يمكن هذا في الدنيا، فالأجسام يوم القيامة لها شأن آخر غير شأنها في هذه الدنيا. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بأن الخلائق يحاسبون على أعمالهم، وقد سمى الله يوم القيامة يوم الحساب، لأنه اليوم الذي يحاسب الإنسان فيه على عمله. ولكن هل الحساب حساب مناقشة كما يحاسب التاجر تاجرًا آخر بالفلس والهللة؟ الجواب: لا، لكنه حساب فضل وإحسان وكرم بالنسبة للمؤمن فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يحاسب المؤمن فيخلو به ويضع كنفه عليه أي ستره ويقرره بذنوبه فيقول له: عملت كذا في يوم كذا حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ له: وكلنا لا يذخلو من الذنوب في هذه الدنيا ذنوب باطنة تتعلق بالقلوب، وذنوب ظاهرة تتعلق بالأبدان، لكن لايراها الناس، فقد تشاهد الرجل ينظر بعينه نظرًا محرمًا وأنت تظنه ينظر نظرًا حلالًا ماتدري ولهذا قال الله تعالى: أما الكفار والعياذ بالله فإنهم لا يحاسبون هذا الحساب بل يقررون بأعمالهم ويقول: عملتم كذا وكذا فإذا أنكروا تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، وأرجلهم بما كانوا يعملون، حتى الجلود فإنها تشهد فيقولون لجلودهم : هل ينجو من الحساب أحدٌ؟ الجواب: نعم ينجو منه عالم لا يحصيهم إلا الله قال النبي، صلى الله عليه وسلم: مما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الوزن قال الله تعالى: ولكن هنا أسئلة على الميزان: فالجواب: أن القاعدة في ذلك كما أسلفنا أن علينا أن نسلم ونقبل ولا حاجة لأن نقول : كيف؟ ولم؟ ومع ذلك فإن العلماء ـ رحمهم الله ـ قالوا في جواب هذا السؤال: إن الأعمال تقلب أعيانًا فيكون لها جسم يوضع في الكفة فيرجح أو يخف، وضربوا لذلك مثلًا بما صح به الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ثانيًا: هل الميزان واحد أم متعدد؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين وذلك لأن النصوص جاءت بالنسبة للميزان مرة بالإفراد ومرة بالجمع مثل قوله تعالى: والذي يظهر والله أعلم أن المراد أن الميزان واحد، لكنه متعدد باعتبار الموزون. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر نشر الدواوين وهي الكتب، تنشر بين الناس فيختلف الناس في أخذ هذه الكتب، منهم من يأخذها باليمين، ومنهم من يأخذها بالشمال، وقد أشار الله إلى ذلك في سورة الحاقة فقال: هذا الكتاب قد كتب فيه ما يعمله الإنسان كما قال تعالى: قال بعض العلماء: والله لقد أنصفك من جعلك حسيبًا على نفسك. فيجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب، وأنها توزع يوم القيامة عن اليمين وعن الشمال، لكن في سورة الانشقاق يقول الله تعالى: فالجواب: أنه يأخذه بشماله، لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره، والجزاء من جنس العمل، فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره جزاءً وفاقًا. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر أيضًا الحوض. حوض النبي، صلى الله عليه وسلم ـ جعلنا الله ـ ممن يشرب منه ـ هذا الحوض حوض واسع، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء في كثرتها وحسنها، وماءه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، ويستمد الحوض ماؤه من الكوثر، وهو نهر أعطيه النبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة يصب منه ميزابان على الحوض فيبقى الحوض دائمًا مملوءًا، ويرده المؤمنون من أمة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويشربون منه، ويكون هذا الحوض في عرصات يوم القيامة عند شدة الحر وتعب الناس وهمهم وغمهم، فيشربون من هذا الحوض الذي لا يظمؤون بعد الشرب منه أبدًا. ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر كذلك الشفاعة، وهي نوعان: أحدهما: خاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم. والثاني: عام له ولسائر النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. أما الخاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم: فهو أولًا: الشفاعة العظمى التي تكون للقضاء بين الناس، وذلك أن الناس يوم القيامة يلحقهم من الكرب، والهم، والغم، مالا يطيقون، لأنهم يبقون خمسين ألف سنة، والشمس من فوق رؤوسهم، والعرق قد يلجم بعضهم، فيجدون همًا، وغمًا، وكربًا، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله - عز وجل - فينجيهم من ذلك، فيلهمهم الله - عز وجل - أن يذهبوا إلى آدم الذي هو أبو البشر فيأتون إليه ويسألونه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه عصى ربه في أكله من الشجرة التي حرم الله عليه أن يأكل منها. ولكن قد يقول قائل: إن أكله من الشجرة ذنب قد تاب منه وبعد أن تاب اجتباه الله وهداه قال الله تعالى: فالجواب: نعم الأمر كذلك، وآدم بعد الخطيئة خير منه قبلها، لأن الله تعالى قال بعد أن حصلت الخطيئة والتوبة: {اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 121: 122] فجعله من المجتبين المصطفين، ولكنه يعتذر ـ أي من الشفاعة ـ بأكله من الشجرة، لأن مقام الشفاعة مقام عظيم يحتاج أن يكون الشافع فيه نزيهًا من كل شيء، لأنه شافع يريد أن يتوسط لغيره، فإذا كان مذنبًا كيف يمكن أن يكون شافعًا؟ فيذهب الناس إلى نوح ويطلبون منه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه سأل ماليس له به علم، وكان قد سأل الله تعالىأن ينجي ابنه الكافر من الغرق: فيأتون إلى إبراهيم خليل الرحمن، عليه الصلاة والسلام، فيعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، وهو ليس في الواقع كذبًا، ولكنه تورية، لكن التورية ظاهرها الحقيقة والمراد خلاف الظاهر فمن أجل هذا تشبه الكذب من بعض الوجوه، ولكمال أدب إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، مع الله هاب أن يشفع وقد كذب هذه الكذبات في ذات الله ـ عز وجل ـ. فيأتون إلى موسى بعد ذلك، فيعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، والنفس التي قد أشار إلى أنه قتلها بغير حق: أنه خرج عليه الصلاة والسلام، فوجد رجلين يقتتلان هذا من شيعته، وهذا من عدوه، أحدهما من بني إسرائيل، والثاني من الأقباط، فاستغاثه الذي من شيعته ـ وهو الإسرائيلي ـ على الذي من عدوه وهو القبطي، وكان موسى عليه الصلاة والسلام رجلًا شديدًا، فوكز القبطي، فقضى عليه، فهذه هي النفس التي قتلها قبل أن يؤمر بقتلها، وهذا جعله يعتذر عن الشفاعة للناس. ثم يأتون إلي عيسي، عليه الصلاة والسلام ـ وهو الذي ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، رسول - فلا يعتذر، لكنه يعترف بفضل النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول لهم : اذهبوا إلي محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فيطلبون منه الشفاعة، فيشفع إلى الله عز وجل، فينزل الله عز وجل للقضاء بين العباد، وهذه الشفاعة تسمى العظمى، وهي من المقام المحمود الذي قال الله فيه: ثانيًا: من الشفاعة الخاصة بالرسول، صلى الله عليه وسلم، أن يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فأهل الجنة إذا عبروا الصراط ووصلوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقًا، فيشفع النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الله بأن يفتح لهم باب الجنة وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة فقال تعالى: أما الذي تكون فيه ـ الشفاعة ـ عامة، له ولسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهما شفاعتان: الأولى: الشفاعة في أهل النار من المؤمنين أن يخرجوا من النار. والثانية: الشفاعة فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخل النار. شروط الشفاعة: ولابد للشفاعة من شروط ثلاثة: أولها: رضا الله عن الشافع، ثانيها: رضاه عن المشفوع له. ثالثها: إذًاه. ودليلها قوله تعالى: ولا تنفع هذه الشفاعة المشركين، لأن الله تعالىلا يرضاها، ويشترط رضا الله عن المشفوع له، ولهذا أصنام المشركين التي يتعلقون بها، ويقولون :إنها شفعاؤنا عند الله لا تنفعهم ولا تشفع لهم، بل لا يزدادون بها إلا حسرة، لأن الله تعالى يقول: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الصراط، وهو عبارة عن جسر ممدود على النار يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، على حسب أعمالهم كل من كان أسرع في الدنيا لقبول الحق والعمل به كان على الصراط أسرع عبورًا، وكلما كان الإنسان أبطأ لقول الحق والعمل به كان على الصراط أبطأ، فيمر أهل الجنة على هذا الصراط فيعبرون، أما الكفار فلا يمرون عليه، لأنه يصار بهم إلى النار والعياذ بالله، فيأتونها وردًا عطاشًا. الحادي عشر: دخول الجنة أو النار: وهي آخر المراحل حيث يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، والسؤال: هل الجنة والنار موجودتان الآن؟ فالجواب: نعم، موجودتان ودليل ذلك من الكتاب والسنة: أما الكتاب فقال الله تعالى في النار: وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة كسوف الشمس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قام يصلي فعرضت عليه الجنة والنار، وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقودًا، ثم بدا له ألا يفعل، عليه الصلاة والسلام، وشاهد النار ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار والعياذ بالله ـ يعني أمعاءه ـ قد اندلقت من بطنه، فهو يجرها والعياذ بالله في نار جنهم، لأن هذا الرجل أول من أدخل الشرك على العرب، فكان له كفل من العذاب الذي يصيب من بعده، ورأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها صاحب المحجن ـ والمحجن: عصا محنية الرأس ـ وصاحب المحجن سارق يسرق الحجاج بمحجنه، فإن فطن له الحاج قال: هذا المحجن انشبك بغير إرادتي، وإن لم يفطن له أخذه ومشى، فرأى النبي، صلى الله عليه وسلم، في النار هذا الرجل يعذب بمحجنه، والعياذ بالله. فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن. هل الجنة والنار تفنيان أم تبقيان؟ الجنة والنار تبقيان، فالجنة تبقى أبد الآبدين، والنار تبقى كذلك أبد الآبدين، ودليل ذلك من القرآن كثير: بالنسبة للجنة قال الله - تعالى - : وفي النار ذكر الله التأبيد في ثلاث آيات من القرآن: الأولى: في سورة النساء: الثانية: في سورة الأحزاب قال الله تعالى: والثالثة: في سورة الجن وهي قوله تعالى: وبعد هذا النص الصريح في القرآن، يتبين أن ما قيل من أن النار تفنى قول ضعيف جدًا لا يعول عليه، لأنه لا يمكن أن نعول على قول صرح القرآن بخلافه، بل ولا يحل لنا ذلك. فالنار والجنة موجودتان الآن، وتبقيان، ولا تفنيان أبدًا.
الإيمان بالقدر خيره وشره هو الركن السادس، وهو محل عراك بين العلماء وآرائهم، ومحل عراك بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء. الإيمان بالقدر معناه أن تؤمن بأن الله - عز وجل - قد قدر كل شيء يكون إلى مالا نهاية له، وأنه قدره عن علم، ولهذا قال العلماء: إن مراتب الإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: العلم ومعناها: أن تؤمن بأن الله تعالىعالم بكل شيء جملةً وتفصيلًا فيما تعلق بفعله الذي يفعله - عز وجل - بنفسه كالخلق، والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر وغير ذلك، أو يتعلق بفعل المخلوقين، كأقوال الإنسان، وأفعاله، بل حتى أفعال الحيوان كلها معلومة لله - عز وجل - قبل وقوعها، وأدلة هذه المرتبة كثيرة منها قوله تعالى: ونتكلم عن قوله: وقوله: وعلم الله تعالى بعمل الإنسان موجود في كتاب الله - عز وجل - قال- تعالىـ: وهذا العلم من الله - عز وجل - لم يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان، ولهذا لما قال فرعون لموسى: المرتبة الثانية: الكتابة ومعناها: أن تؤمن بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، كل شيء في الوجود، أو يكون إلى العدم فإنه مكتوب قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. فالله عز وجل لما خلق القلم، قال له: اكتب قال : رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ودليل هذه المرتبة من الكتاب قوله تعالى: قال أهل العلم: والكتابة لها أنواع: النوع الأول: الكتابة العامة وهي الكتابة في اللوح المحفوظ. النوع الثاني: الكتابة العمرية (نسبة إلى العمر) وهي التي تكون على الإنسان وهو في بطن أمه فإن الإنسان كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق فقال: ولكن نحن إذا قرأنا هذا الحديث، فإنه لا ينبغي أن ننسى أحاديث أخرى تبشر الإنسان بالخير، صحيح أن هذا الحديث مروع أن يقول القائل: كيف يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يخذل ـ والعياذ بالله ـ فيعمل بعمل أهل النار؟ لكن هناك ولله الحمد نصوصًا أخرى، تفرج عن المؤمن كربته فيما يتعلق بهذا الحديث، من وروى البخاري - رحمه الله - في صحيحه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان في غزاة، وكان معهم رجل شجاع مقدام، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم: يقول بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص)، الذي ليس بشيء عند كثير منا هذا يحتاج إلى جهاد عظيم، لو كان في الإنسان شيء يسير من الرياء لم يكن مخلصًا تمام الإخلاص وربما يكون هذا الشيء اليسير من الرياء في قلبه ـ ربما يكون ـ سببًا لهلاكه في آخر لحظة. ذكر ابن القيم - رحمه الله - آثار الذنوب وعقوبتها، ومن جملة ماذكر أن رجلًا منهمكًا في الربا، جعل أهله يلقنونه الشهادة، فكلما قالوا له: قل: لا إله إلا الله. قال: العشرة احد عشر، لأنه ليس في قلبه غير ذلك من المعاملات المحرمة التي رانت على قلبه حتى طبع عليه في آخر لحظة ـ والعياذ بالله ـ . ولما حضرت الوفاة الإمام أحمد - رحمه الله - وناهيك به علمًا وعبادة وورعًا وزهدًا لما حضرته الوفاة سمعوه إذا غشي عليه يقول: (بعد بعد)، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك: (بعد بعد) قال : رأيت الشيطان يعض على أنامله يقول: (فتني يا أحمد)، فأقول له: (بعد بعد) أي: لم أفتك ما دامت الروح في البدن، فالإنسان على خطر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: نعود إلى ما سبق من الكتابة العمرية، فالإنسان يكتب عليه وهو في بطن أمه، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. النوع الثالث: الكتابة الحوليةـ أي عند كل حول: وهي التي تكون ليلة القدر، فإن ليلة القدر يكتب فيها ما يكون في السنة كما قال الله تعالى: النوع الرابع: كتابة مستمرة كل يوم وهي كتابة الأعمال فإن الإنسان لا يعمل عملًا إلا كتب، إما له وإما عليه، كما قال تعالى: النوع الخامس: كتابة الملائكة التي تكون عند أبواب المساجد يوم الجمعة، فإن أبواب المساجد يوم الجمعة يكون عليها ملائكة يكتبون الأول فالأول، فمن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة، ومن جاء بعد مجيء الإمام فليس له أجر التقدم، لأن الإمام سبقه، وإذا حضر الإمام طويت الصحف، وحضرت الملائكة يستمعون الذكر. المرتبة الثالثة: المشيئة ومعناها: أن تؤمن بأن كل كائن وجودًا أو عدمًا فهو بمشيئة الله، وقد أجمع المسلمون على هذا في الجملة فكل المسلمين يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فكل شيء واقع بمشيئة الله، أما ماكان بفعل الله فهو بمشيئته لا إشكال فيه، كالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وكذلك ما كان من فعل المخلوق فهو أيضًا بمشيئة الله، ودليل ذلك من الكتاب قوله تعالى: وقال تعالى: أما الدليل العقلي فأن يقال: هل الخلق ملك لله؟ فالجواب: نعم. هل يمكن أن يكون في ملك الله مالا يريد؟ الجواب: لا يمكن، فما دام الشيء ملكه فلن يكون في ملكه مالا يريد إذًا فكل ما كان في ملكه فهو بإرادته وبمشيئته ولا يكون في ملكه مالا يشاء أبدًا، إذ لو كان في ملكه مالا يشاء لكان ملكه ناقصًا، وكان في ملكه ما يقع بدون اختياره وبدون علمه. المرتبة الرابعة: الخلق ومعناها: الإيمان بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق كل شيء، فنؤمن بعموم خلق الله تعالىلكل شيء ودليل ذلك قال الله تعالى: والآيات في ذلك واضحة كثيرة: أن كل شيء مخلوق لله - عز وجل - حتى فعل الإنسان مخلوق لله ـ تعالى وإن كان باختياره وإرادته لكنه مخلوق لله ـ تعالى ـ وذلك أن فعل الإنسان ناشئ من أمرين هما: الإرادة الجازمة، والقدرة التامة. مثال ذلك: أمامك حجر زنته عشرون كيلو، فقلت لك: احمل هذا الحجر فقلت: لا أريد حمله، فهنا انعدمت إرادتك على حمل الحجر، قلت لك ثانية: احمل هذا الحجر، فقلت: نعم سمعًا وطاعة، ثم أردت أن تحمله فعجزت عن حمله، فهذا أنت لم تحمله لعدم القدرة، قلت لك ثالثة: احمل هذا الحجر فقلت : سمعًا وطاعة وحملته فوق رأسك فهنا حملته لقدرتك وإرادتك. فأفعالنا كلها التي نفعلها ناشئة عن إرادة جازمة، وقدرة تامة، والذي خلق هذه القدرة والإرادة هو الله ـ عز وجل ـ فلو أن الله جعلك مشلولًا ما قدرت، ولو صرف همتك عن الفعل ما فعلت. ولهذا قيل لأعرابي: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم. فأحيانًا يكون الإنسان عنده عزيمة أكيدة على الشيء، ثم تنتقض هذه العزيمة بدون أي سبب. وأحيانًا يخرج الإنسان يريد الذهاب لأحد أصدقائه، ثم ينصرف ولا يذهب بدون أي سبب، لكن الله - عز وجل - يلقي في قلبه انصراف الهمة فيرجع. لهذا نقول: إن أفعال الإنسان مخلوقة لله، لأنها ناشئة عن إرادة جازمة وقدرة تامة، وخالق هذه الإرادة، والقدرة هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ. ووجه كون الله هو الخالق لهذه الإرادة والقدرة، لأن الإرادة والقدرة وصفان للمريد والقادر خالقه هو الله، وخالق الموصوف خالق للوصف، وبهذا اتضح الأمر وانجلى بأن أفعال الإنسان مخلوقة لله ـ عز وجل ـ. وها هنا بحوث في باب القدر، لأن هذا الباب كما قلنا في أول الكلام عليه باب شائك مشكل: المبحث الأول: لله - عز وجل - مشيئة، وله إرادة ومحبة قال الله تعالى: الجواب: بل يفترقان. يعني أن الله إذا أحب شيئًا أراده، وإذا أراد شيئًا فقد أحبه؟ أو يفترقان؟ الجواب: بل يفترقان. فعندنا ثلاثة أشياء: المشيئة، والمحبة، والإرادة، وهذه الثلاثة ليست بمعنى واحد، بل تختلف. المشيئة: تتعلق بالأمور الكونية سواء كانت محبوبة لله أو مكروهة له، أي إن الله تعالى قد يشاء الشيء وهو لا يحبه، وقد يشاء الشيء وهو يحبه. فالمعاصي كائنة بمشيئة الله، وهو لا يحبها، والفساد في الأرض كائن بمشيئة الله، والله لا يحب الفساد، والكفر كائن بمشيئة الله، والله لا يحب الكفر. فالمشيئة إذًا تتعلق بالأمور الكونية فيشاء الله كونًا مالا يحبه وما يحبه. المحبة: تتعلق بالأمور الشرعية، فلا تكون إلا فيما يبيحه الله، فالمعاصي غير محبوبة لله، وأما الطاعات فهي محبوبة له سبحانه، سواءً حصلت أم لم تحصل. الإرادة: ولها جانبان: جانب تكون فيه بمعنى المشيئة، وجانب تكون فيه بمعنى المحبة، فإذا كانت بمعنى المحبة فهي الإرادة الشرعية، وإذا كانت بمعنى المشيئة فهي الإرادة الكونية. وإذا كانت الإرادة شرعية وهي التي تكون بمعنى المحبة، فإنه لا يلزم منها وقوع المراد مثل قوله تعالى: وأما الإرادة الكونية التي بمعنى المشيئة فيلزم فيها وقوع المراد، فإذا أراد الله شيئًا كونًا وقع ولابد وهذه الإرادة كالمشيئة، تكون فيما يحبه وفيما لا يحبه، لكن إذا أراد الله شيئًا بهذا المعنى وقع ولا بد، مثل قوله تعالى: ويمكن أن تتفق الإرادتان ـ الشرعية والكونية ـ في حادث واحد، مثل إيمان أبي بكر فهذا مراد لله شرعًا وكونًا، لأن الله يحبه فهو مراد له شرعًا، ولأنه وقع فهو مراد له كونًا. وتنتفي الإرادتان مثل (كفر المؤمن) فهو غير مراد لله شرعًا، لأنه يكرهه، وغير مراد لله كونًا، لأنه لم يقع. ومثال الإرادة الكونية دون الشرعية مثل (كفر أبي جهل وأبي لهب)، فقد تعلق بكفرهما الإرادة الكونية، لأنه وقع الكفر دون الشرعية، لأن الله لا يحب الكافرين. ومثال الإرادة الشرعية دون الكونية، مثل (إيمان فرعون) فهو مراد شرعًا، لأن الله - عز وجل - أرسل إليه موسى ودعاه، لكن الله لم يرده كونًا، فلذلك لم يقع ولم يؤمن فرعون.
|